الرئيسية » 2014 » مايو » 22 » الانسان والعقل............8
1:32 AM
الانسان والعقل............8

كل ما في الطبيعة سيرته مثناة فقوة إيجابية وأخرى سلبية ، وفي القوة الإيجابية نفسها تـوجــد قوة سلبية كما في القوة السلبية قوة إيجابية . فالرجل تكمن فيه قوة إيجابية ، وفــي قــواه قــوة سلبية ، والمرأة تكمن فيها قوة سلبية وفي قواها قوة إيجابية ، وجمع القوتــيــن قــوة الــرجــل والمرأة يعطي قوة إيجابية سلبية في آن واحد . والعقل يتم إدراكه الحقيقي عند التحام القوتيــن يجمعهما ، وتصبح حركته متركزة  في قوة مثناة هذا إذا تمكن الإنسان مــن مــعــرفــة ســـر الحركات لأجل هذا الغرض ودور المرأة بالنسبة له . والمرأة بالنسبة للرجل هــي كــمــرآة ، تعكس قوى الرجل بينما المرأة لا يعكس الرجل لها قواه ، بل تأخذ منه القوى السلبية ليفرزها العقل بحركته إلى قوة إيجابية تتمكن بها المرأة من التصاعد الفكري ، فعقل الرجل والــمــرأة بنسبة واحدة في التصاعد فقط ، لأنه يتم ذلك بالقوة الإيجابية . وهذا إن كان الجمع للقوتيــن ، أما إن كانت المرأة منعزلة بقواها فلا يمكنها تركيز البحث الباطني إلا بالقـوة الــســلــبــيــة ، والرجل كذلك يتم له التركيز في حالة انعزاله بالقوة الإيجابية فقط ، وكلاهما في حالة نقصان ، وقد فضل كثير من الباحثين في التصاعد الفكري تجاه قوى العقل ومراتـبــه ودرجــاتــه أن يعتزلوا عن المرأة . وهذا عند الهنود والمتصوفة كثير ، إنما ذلك لا يؤدي أبدا على مــعـرفـة تامة ، لأن وسيلة قواه الفكرية أساسها قوة إيجابية فقط ، فإن تحدث عن مراتب العقــل فــإنــه يتحدث عنها في حالتها إيجابية ، فلا يتم له إدراك معالم العقل أو عوالمه بتمامها . وهــذا أول أسباب الاختلاف في المعرفة عن الإنسان والعقل . إن الرجل لا يمكنه الاستغناء عن الـمــرأة ولا المرأة عن الرجل وكلاهما دليل وجود الآخر .   

  ليتمكن الإنسان من توجيه قواه العقلية ، لابد له من معرفة نقطها الرئيسية فــي الـــجــســم ، وجمع مراكز القوى السلبية والقوى الإيجابية لينطلق العقل في حركة استوائـية لــه ، ولأجــل هذا الغرض نجد طرقا محكمة يشعر بها الإنسان كأنه يصعد على السـماء ، وإن كانــت قــوة عمودية يشعر الإنسان يسير إلى الأمام ، وبالقوة المنبسطة يشعر بالسير إلى الوراء . وبجمـع القوتين في الجسم تكبر قوى الإنسان وإدراكه بالعقل ، وإن كبرت كثيرا فإن الإنسان يشــعــر بنفسه كأنه رابطة كبيرة بينه وبين الطبيعة كلها . وكأن النجوم فيه ، ونجد كثيرا ممـن ادعــى الألوهية أو الجزئية مع الإله أو أن الإله قد حل فيه وسكنه ، وما تلـك إلا درجــة ثالــثــة مــن مراتب العقل . أدت غلى هذا الخطأ ، لأن وسيلة طريقته المستعملة ، فيها أخــطاء مــعــرفــة كيفية التحام القوة الإيجابية والسلبية . أما إن كانت الطريقة المستعملة في كامل الصحــة فــإن الإنسان يشعر بأن قوى الطبيعة قد أدركها العقل وأعطى صبغتها ، ويلتزم إلى السكون حــتى يقطع هذه الدرجة من مراتب العقل .     

  إن الناس منقسمون إلى فئتين ، منهم الذين يتتبعون طرقا من أجل المعرفة وآخرون فـضـلوا العيش في حالة يعتقدونها عادية أو سليمة ، إنما ذلك اعتقادهم لأن العقل منذ أن يولد الإنـسان في حالة تصاعدية حتى الموت ، كما يكبر جسم الإنسان ، والإنسان الذي لا يتبــع طــريــقــة صحيحة ، فإن عقله يتم تصاعده في عالم الأفكار فقط ويخوض في عوالم العـقــل بالــفــكــر،

                                                                                                                  وهذا لا يتم به معرفة أساسية لدرجات العقل . نجد كثيرا من الشــعــوب لهم فـكــرة أساســها أن الذين لا يسعون إلى الخلاص – الذي يسمى بالخلاص الروحي عندهم – تنسخ أرواحـــهم في أجساد مختلفة أخرى . وقد سبق الحديث عن أن الروح لا يمكن للعقــل إدراك كــنــهــها ، ولــكــن في شكل التناسخ قد يمكن لقوى العقل البقاء في الأرض أو اللجوء إلى جــســد آخــر لوجود قواه مطابقة لقواها ، وفي هذا الحال يظهر وكأن الروح قد نسخت وأصبحت في جسـم آخر ، وذلك لفترة قد تطول . أما العقل بنفسه فلا يأخذ قوى جسم آخر إلا في الجسم الحقيقي . وبالتنويم المغناطيسي ، حاول الكثير من الباحثين إرجاع المنوم مغناطيسيا أن يسترجع حياته في حياة أخرى ويتذكر الوقائع التي عاشها ، ولا يمكن ذلك بل يمكن التمكن من إدخال المنوم مغناطيسيا إلى قوى عقل آخر لشخص آخر ، قد بقيت لها آثار ويعيش بذلك واقعا آخر وحــياة الشخص الميت ودون ضبط كامل ، كما يظن أنه هو الشخص الميت بنفــســه ، وقــد ســبــق الحديث عن القوة الشبه مغناطيسية .    

  إن كل ما يحدث للإنسان في هذا العالم نجد قوى في الطبيعة قد احتفظت بقليل مـنه ولــيــس كله ، فإنه إذا دخل عالم الاضمحلال ، يصبح مستحيلا استرجاعه . وكل ما يستطيع الإنــسان استرجاعه بواسطة العقل أو بالآلات ، إنما هو في الدرجة الأولى للقوى الكامنة في الطبيعة ، فإن للطبيعة طبقات في قواها . ويمكن للعقل الصعود فيها كما يمكن الصعــود فــي مــراتــب العقل بالفكر أو بقوى الحواس ، ولابد من معرفة ثابتة للتمكن من هذا . ولا يمكن أن يقال إنـه بدون طريقة قد يمكن البلوغ إلى شيء من أصول المعرفة ، والمشكل يـبــقــى فــي اخــتــبار الطريقة ، وهذا مشكل خاص بالبحث في كل الطرق المستعملة هل طريقها نحو الصــواب أو لا ، إنما لابد من الانتباه أن المشكل مشكل حقا .

  إن المشاكل التي يعيشها الإنسان منذ ولادته هي السبب في كل عقدة نفسية فـيه ، والــعــقــد النفسية تحجب إدراك العقل ، ولا يستطيع الإنسان البلوغ علـى شــيء مــادام لــم يــحاول أن يصحح نفسه أو أن يسعَى إلى الصواب ومعرفة أخطائه . والباحث عن الاستقامة يجد طـريق الصواب مهما كانت طريقته المستعملة ، إن أخطأ الإنسان في سعيه فإن ذلك ليس مشــكــلا ، ولكن المشكل هو أن يبقى في خطئه ومكتفيا بما بلغ إليه من معرفة .

   إن اللغة عند الإنسان لها مكانتها ودورها في حركة الدماغ أو سكونه . وكل كلمة ينطق بها إلا ونجد لها قوة يدركها العقل . فاللغة الكاملة في مراتب نطقها قد تزيد للإنسان سكونا ، وقد تؤدي دورا هاما بالنسبة للفهم والإدراك . أما إن كانت ذات اختلاط فإنها قـد تــســيء حــتــى بسيرة الإنسان . فالمتكلم باللغة العربية نجد عنده رزانة ، والمتكلم باللغة الدارجة نجده كــثير المزاج ، ولذا أعطيت في القديم أهمية كبرى للغة واجتناب تغيير ألفاظها ، وهـذه الأهــمــيــة كانت للغة السريانية القديمة واللغة العبرية ثم العربية ، وكل لغة دون هؤلاء كانت تــعــتــبـر مختلطة ، لم يكن أساسها والمراد منها إلا سبيل التفاهم بين الناس ، ولم يكن لـها دور فــعــال

                                                                                                                  للتربية ولا لتنمية الفكر ، ولوحظ منذ القديم أن تكرار الكلام يتم به التركــيــز ، وفــيــه قــوة يدركها العقل فيتم بذلك التصاعد الفكري أو العقلي إن كان الكلام المنطوق به والمكرر كثـيرا ذكرا ، كما اكتشف الإنسان أن للصوت دورا هاما واستخراج منه درجاته في الـغــناء ، كــما كان تجويد القرآن بدلا من الغناء أساسا للتربية في الميدان الديني . لأن الغناء المــجــرد مــن الكلام المأثور كان يعتبر تفاهة وتسلية . هذا بالنسبة للباحث عن المعـرفــة وإدراك مــعـانــي الأشياء ، أما الإنسان المتجنب عن المعرفة والفار منها فإن أمره لا يهم المتحدث عن العلم أو عن حقيقة ما ، فالإنسان الذي يعتبر نفسه حرا في إرادته ، فليفعل ما استطاع مادام لا يـهــتــم بنفسه ، إذ قد باعها لشهواته ، ويبقى بحثه في كل ميدان ، من أجل الاستـــكــثار أو الــجــدل، والجدل أساسه بالغة أو بالكتابة التي هي كذلك أعطيت لها أهمية كــبـرى . واهــتــم الإنــسان بتزيينها وإعطائها صبغة جذابة لقوى العقل ، والكتابة تعطي للإنسان تركيزا آخــر تــجــعــل حواسه يقظة . هذا إذا اهتم الإنسان بما يكتب ، وبالصفة التي يكتب بها ، ونجد كثـرة الــقلــق واليأس والحزن عند الذين يكثرون من الكتابة دون أن يجعلوا لكتابتهم نموذجا تربويا للـتفكير ، فكان الباحثون من الهنود يجتنبون الكتابة ، خوفا أن تكون عليهم حجابا عند تصاعد القــوى العقلية . أما المتصوفة فلم يهتموا بذلك لتوفر اللغة العربية على أسـس فــعالة فــي الــكــتابــة والنطق ، والقراءة لها أهميتها أيضا كما قد ذكر .  

  إن كل تقلبات الإنسان وتصرفه في الحياة ، قد تقيده أو قد تسيء له صحيا أو عقـلــيا ، فــإن النوم على الجهة اليمنى يجلب القوى الإيجابية ، بينما النوم على الجهة اليسرى يجلب الــقــوة السلبية ، والنوم على الظهر يجلب الاثنين ، فيكون العقل في حالة عمل مستمر لقوى الأحـلام . أما النوم على البطن فإنه طارد لكل قوة فعالة تعين الدماغ عــلى اكــتــساب الإدراك . وقــد لوحظ منذ القديم أن النوم عند غروب الشمس قد يؤدي إلى خلل فكري ، أو علـى خــلــل فــي قوى العقل ، وكذلك السهر على غير أساس ، أو النوم الكثير دون فعالية . والتفسير فـي هــذا طويل وراجع إلى البحث عن سر قوى الطبيعة وفعاليتها مع فعالية جسم الإنسان وحركاتــه ، إنما المراد هنا هو أن نعرف أن الجسم تسكنه قوة كأنها مغناطيس جذابة للقوى الطبيــعــيــة ، ولكي يكون الإنسان في راحة أو سعادة داخلية فلزوم البحث عن المعرفة واجب لتفادي كثـير من الأمراض العقلية أو الجسمية . 

  إن المعرفة عند الإنسان أخطر من عدم وجودها ، إذا استعملها في التعذيــب أو الــنــيــل ما يصبو إليه ، ولذا فقد كان العلماء يكتبون سر ما يعرفونه خوفا من هذا وتفاديا لـمــشاكــل قــد تكون أقل خطرا إن جهلت المعرفة ، فإن الإنسان يطور كل معرفة ويجعلها تنقلب من معرفة الحقيقة إلى معرفة مادية مستغلة تضمن له الغنى والسيطرة في الحياة . والإنسان بطبيــعــتــه يسعى إلى القوة . ويبحث دائما عن مصدرها ، والقوة نطاقها فوق نطاق العقـل لأن الــعــقــل حركته منها فلا يدركها إدراكا يمكن الإنسان من السيطرة . وفضل الحكماء في الـبــقــاء فــي حالة سكون كضعف بدلا من إبراز القوة فتسيطر على قوى العقل فتجعله لا يتمكن من إثـبات قوة تصرفه . 

                                                                                                                    إن الجاهل لا يخاف من شيء ، والعاقل يخاف كل شيء ، حتى من نفسه . فما نال الإنـسان علما بقوة أو بوسيلة جهل ، ولن ينال أحد معرفة حقيقة الأشياء وهو يسعى إلى الــســيــطــرة عليها . فمن كانت حكمته حكمة ، فليكن ذا حكمة ورزانة . فــإن الكــلام لا يــغــيــر شــيــئا ، والصمت يفيد كثيرا . كم من موعظة يجدها الإنسان في الطبيعة وفي الكتب وعـند الــنــاس ، وكم من علم لم ينقش على حجر ، بل سجل فيها بواسطة العقل كما تسجل الأصوات والصور في شريط تسجيل ، إنما ما سجل من علم في الحجر لا يقرأ أو يرى إلا بواسطة العقل . وهـذه الطريقة استعملها القدماء لتبليغ ما عرفوا ، إنما هذا النوع من التسجيل قد يضمحــل لأســباب كثيرة إما لدخول قوة أخرى عليه أو لضعفه ، ويبقى التساؤل عن مدى أبعاد قوى العقل وعـن إمكانيات الإنسان في استعمال قواه ، فكم من سؤال بقي سؤالا وكم من عالم عارف لأجــوبــة كثيرة بقي في كتمانه ، وكم من مجيب على أسئلة اتخذ قوله هزؤا ووصف بالـجــنــون ، وإن كثيرا من الناس اعتقدوا في معرفة الكثير ولم يكن ذلك علما أساسه حـقــيــقــة ، وما حــيــلــة الإنسان؟ أيكذب دون دليل أو يعتقد في شيء دون دليل أيضا ، وإن بقي في حال غير مكــذب لشيء ولا مصدق فهل ذلك حل لأمره . والناس في العصر الحديث أكثرهـم يــؤمــنــون بــما يكتشفه علماء اليوم . وما كان ذلك إيمانا لحقيقة بل سعيا لحل ما أو تكذيبا لدين ما ، لأن الحل لن يعطيه أحد قريبا ، والمعتقد قد يموت ويبقى في مشكله مقيدا . أما الذي يكتشف فعلى الأقل يعيش ما يكتشف ، وقد يكتم أشياء كثيرة يبديها للمستطلع ليفند بها ، وقد يعرف حقيقة فيسكت عنها لأنه سبق لديه أن قال معرفة غير مناسبة ولا مطابقة لما اكتشف عن الــحــقــيــقــة . إن الطريق طويل نحو البحث ، فمن كان زاده معرفة فليبدأ سيره ، ومن كان دليله علـما ، فــلــن يخطىء في معرفة الصواب . أما من جعل الظن كسفينة له فإنه غارق لا محالة وكل صـواب إلا وله ما يدل عليه .

 

  إن العقل كالشمس بعيدة ، ودماغ الإنسان كمرآة ، وجسم الإنسان دون الدماغ كالـنور الــذي تعكسه المرآة من الشمس ، فالمرآة نرى فيها الشمس رغم أن الشمس بعيدة ، كذلك الدماغ فيه قوى العقل فقط ولا يسكنه العقل بتمامه .

مشاهده: 433 | أضاف: بدرالشريف2550 | الترتيب: 0.0/0
مجموع التعليقات: 0
الاسم *:
Email *:
كود *: