الرئيسية » 2014 » مايو » 16 » الانسان والعقل..........7
6:24 PM
الانسان والعقل..........7

 إن الحديث عن الإنسان والعقل لشامل لكل أصول العلوم ولكل معرفة ، ولا نجد حدودا لذلك مادام الإنسان باقيا على وجه الأرض ومادامت الطبيعة ، إلا أن هناك حدودا للمعرفة ولقـدرة الإنسان . وقد تمكن الإنسان في القديم من البلوغ إلى علوم مدهشة وسرها فيما توفر لديـه من قوى الطبيعة الفعالة ، وتمكن من تغيير قواه الجسمية وإعطائها صبغة أخرى بعـد مــعــرفــة القوى العقلية المسيطرة على الجسم ، والتي بإمكانها تغيير حجم الإنسان وتبديله إلــى حــجــم أكبر مما هو عليه ، وقد يبدو هذا مستحيلا وأن الحديث عن العمالقة كــلــه خــرافــة . وعــدم التصديق في هذا الميدان هو دليل على عدم توفر المعرفة عن قوى الطبيعة ومنـتـهــاهــا ، أو قوى العقل وقدرتها ولكن نجد علماء العصر الحديث جادين في البحث عـن تلــك الأســرار ، ولا ننسى أن الطبيعة قد تغيرت وتبدلت قوتها ، واضمحلت أشياء كثيرة كــما اضــمــحــلــت الحيوانات الكبيرة . وقد نجد أحاديث كثيرة يشبهها الإنسان العصري بالخرافات ، ومنــهـا أن بعض الشعوب عرف عندهم أن الإنسان بإمكانه التبدل في جسمه والتقلب ‘لى حالة جسم آخر من صورة حيوان أو أفاع إلى غير ذلك . والقول عندهم أن السر في ذلك كله يسمى سحــرا . وعرف الفراعنة في تقليب الحبال أفاعيا ، والهنود إلى يومنا هذا بإمكانــهم إيــقاف الــحــبــل والتسلق فيه . كما وصف الإنسان القديم بالطيران دون أجنحـة أو المــشــي علــى الــمــاء أو بالاختفاء . ونجد كتبا في هذا الصدد تعطى فيها الطريقة للبلوغ إلى ذلك . أما التصديق فيبقـى شيئا آخر . والحديث في السحر موضوع آخر ، إلا أن من واجب الباحث أن لا يــتــرك هــذا الموضوع أو اجتنابه ولابد من البحث فيه . والبحث في هذا قد يطول ولن يجدي شيئا والسبب بسيط ، لأن قوى الطبيعة قد تغيرت واضمحل معظم القوى المتيحة لذلك إلا إذا تمكن الإنسان من إرجاعها . وانقسام المعرفة إلى معرفة بقوى العقل ومعرفة بقوى الآلات تبـيــن للإنــسان العصري حدود علمه وكذلك مستواه . وذلك بتحديده ما يتوفر لديه من قوى في الطبيعة . وإذا توفر للإنسان البلوغ إلى معادن مجهولة لديه الآن ، فقد يتمكن من إثبات خــرافات القــدماء ، وقد يمكنه بوسيلة أشعة مازال لم يكتشفها أن يغير هو كذلك حجم جسمه وأشياء أخرى .     

  إن الإنسان مزال لم يستخرج كل معادن الأرض أو كنوز الطبيعة . لاسيما المعادن الهبائـية ، وبالأشعة الباطنية يمكن للإنسان أن يستخرج معادن أخرى من الهباء وجمـعها بــواســطــة آلات ، وهذه المعادن هي أقصى ما يوجد في الطبيعة من قوى . ونجد معرفة هذا عند الهـنود شيئا مقبولا . فقد حاولوا خلق أشياء من ذلك والاستمداد من قوتها ، وسبـيل بــحــثــهــم كــان بواسطة قوى العقل ، ول يكن بالآلات .

  وحتى لو استخرج الإنسان من الطبيعة هذه المعادن الهبائية ، فإنه لن يمكنه أن يجعل فــيهـا حياة كما كان يعتقد من قبل بل يمكنه استعمال قوتها فقط ، إنما هي أخطر من القـوة الــشــبــه مغناطيسية وأقوى من القوى الإشعاعية ولها أثر كبير على جسم الإنسان ، وهذه المعادن أشد صلابة ومنها معادن شبه حديدية وأخرى شبه نحاسية وشبه ذهبية . وخلاصة المفهـــوم أنــها صورة ثانية لما في الطبيعة كلها فهي كبيعة ثانية ، وكأن الأرض فوقهــا أرض أخــرى ، إلا أنها ليست مادية ظاهرية ، وهذا موضوع لا يمكن التطرق إليه ، فهو من أسرار الطــبــيــعـة

إلا أن العقل بإمكانه إدراك عوالمها لأنها من الطبيعة

       نفـســها . وقــد يــتـوصــل الإنسان إلى تمييز هذه القوى وإفرازها وفصلها أو جمعها ، وبها قد يتمكن أن يكتشف كـذلــك كيفية إخفاء بعض الأشياء وظهورها في أجواء الأرض .  

  إن الإنسان مازال لم يدرك كل قوى عقله كما أنه مازال لم يستعمل كل الوظائف العقــلــيــة الموجودة فيه أو معرفة إمكانياته ، ولو تمكن الإنسان من هذه المعرفة حق تمكن لاستطاع أن يعيش حياة أخرى غير التي هو عليها ، ولكانت له حاجيات أخرى مخالفة للتي هـو مــحــتاج إليها الآن ، ويستطيع التنقل دون وسيلة نقل بل بوسيلة المعرفة ، ويكون العلم ملك يديه ، ثــم حينئذ نقول إن ما في الطبيعة قد سخر له حقا . وقد يبقى هذا مجرد حلـم فــعــلا لأن الإنــسان متجه إلى الماديات متجاهلا المعرفة التطبيقية لإدراك القوى الكامنة فيه والكامنة في الطبيعة. وكم يحلم الإنسان بشبه جنة فوق الأرض ، والعيش في أمان وسلم دائمين ، ويبتعد الــوصول إلى كلما ازداد الإنسان ابتعادا عن البحث الأصلي لنفسه وللأشياء . والباحث يظهر دائما أمام الآخرين أنه إنسان قد فقد توازن فكره وعقله كما نسب إلى الأنبياء الحمق .   

  إنه لمن المعقول أن يفكر الإنسان في أشياء معقولة ، ولكن قبل التـفكــيـر وجــب علــيــه أن يعرف معقولية هذه الأشياء وكيف تصبح معقولة لديه ، أعندما تكون موافقة لمبتغاه أو عـندما تكون مخالفة لما يرضاه . والإنسان من طبعه يريد أن يكون واقعيا ، والواقع هو كـما يــراه ، هو ، وقد تكون للآخرين نظرية أخرى تجاه كل واقع وأفكار أخرى لا تكون منطقية مع أفكار كل الناس ، وكل أمة لها اكتشافاتها كما لها عقيدتها ، وكل يرى الآخرين حــمــقى لأنــهــم لا يوافقونه في كل ما يراه هو معقولا أو واقعيا . والواقع الأصلي لكل شيء ليس أساسه الـظــن بل أساسه المعرفة المحكمة ، والعلم الثابت الذي به يثبت الإنسان مفهــومــه تــجــاه الأشياء ، فحينئذ يرى الواقع  واقعا والمعقول معقولا لا تغيير فيه . وقد اختلف العــلــماء فــي وظائــف العقل ومراتبه ، وكم هو التفكير في العقل وقواه صعب ، وكيف للإنسان أن يميز ما لديـه من علم لإفراز معرفته واستخراج كل ما فيه من خطأ وإدراك ما فيه من صواب . هل بوسـيــلــة التجربة أم بوسيلة إرشاد ، إن كان بوسيلة تجربة فبأي تجربة تكون بداية البحــث . وإن كــان بوسيلة إرشاد فمن سيتخذ الناس مرشدا ، ولاسيما في العصر الحديـث إذ لا وجــود لأنــبــياء ظاهريا .  

   قد يقول الإنسان لنفسه إن الحل كله في اتخاذ العقل أول وسيلة وليكن العقل كعصا الأعـمى في دورها . والإنسان يكون أعمى ببصره إن لم يكن يرى واقع الأشياء وحقيقــتـه ، وكــيــف للإنسان أن يدرك الواقع بمجرد عقله ، والعقل دوره ليس مرشدا بل قوة تـســجــل مــعــرفــة الإنسان في دماغه ، ولو كان العقل مرشدا لما عاش الإنسان جهلا ، ولما اختلفت القـوانــيــن عند الشعوب كلها ، ولما اختلفت الأفكار والعقائد ، لأن الإنسان شيء واحد ومنذ القديـم كــان إنسانا ولم يكن يوما حيوانا . والإنسان في القديم تمكن من تغيير جسمه إلى أجسام مختــلــفــة بفضل ما مكنته الطبيعة من قوة ، وتشبهت صورته بصور حيوانات كثيرة . كما نجد تمــاثيل تعطي أمثلة أولئك في صور مختلفة كإنسان جسده جسد سبع أو ثور ورأســه رأس إنــسان ، أولأة                                                                                                                 وكما وجدت في البحار مخلوقات نصفها حوت والنصف الآخر السـفلــي إنــسان . ولــهــذه الأسباب لابد أن يجد الإنسان الحالي بقايا أجسام الإنسان القديم ، إنما شكلها قد تشبه بـشــكــل القرد . ولو توصل الإنسان اليوم إلى علم مادي يستخرج به القوة الكامنـة فــي الــطــبــيــعــة والمغيرة لحجم الإنسان ، لتبين صحة كثير من العلوم القديمة المتحدثة عن هذا ، ولــتـغـيـرت نظرية الإنسان العصري تجاه نفسه وحقيقة أمره ، وما أصعب على الإنسان أن يغير اعتـقاده لاسيما إن كان ذلك الاعتقاد يعطيه راحة للنفس على أنه ليس هناك حقيـقة ما ولا شـيء وراء الموت ، لأنه بهذا الاعتقاد لا يجد مسؤولية نفسه ، ولا يكلفه الأمر شيئا سواء أكان مجـرما أم عاقلا واقعيا . 

   ادعى الإنسان الإنسانية وهو مصطنع لها ، وما هي الإنسانية في حد ذاتها؟ هل هي قانـون يظهر به الإنسان انفراده بالعقل والإدراك؟، إن كان كذلك ، فلابد من معرفة أصل كـل إدراك عند الإنسان ، وإلا لما انتمت الإنسانية للإنسان ، وتبقى كل القوانين التي عرفـها مــصــدرها ليس من الإنسان ، بل من مورد آخر وقوة أخرى جعلت فيه الحياة كما جعلت فـيــه الــعــقــل وبينت له الصواب وحذرته من الخطأ ، وإنما الإنسان انحرف عنها ، وحينئذ يبقــى الإنــسان إنسانا فيه ، ولا شيء ملك له بل هو لقانون أعظم منه جعل له مصيرا ، ومـصــيــر الإنــسان الأول في هذه الأرض هو التخبط في نفسه وعدم الاستقرار . وظهور ضعفه جعله يفكر بكـل قوته من هو ، وما السر في إدراكه وما العقل؟ وضعف الإنسان يظهر عندمــا يــدرك حــدود إدراكه ويفهم حدود فهمه وأبعاد أفكاره ، والإنسان في قوته لا يقوى على السيطرة الكــامـلــة للطبيعة ، ويبقى جهله مستمرا مهما أدرك من علم ، لأن العلم لا حدود له والإنسان يعـلــم أن الكون غير محدود في شيء .   

  إن الإنسان يخاف من كل مجهول لديه ويخاف من اكتشافه ، لأن كل ما يكتشفه يظـهــر لــه العجز أمام ما اكتشفه ، ويدرك الإنسان حينئذ أنه قد تأخر كثيرا في إدراك علوم شـتــى وفــي اكتشافها .

   إنه لن يستطيع الإنسان أن يبقى مكتوف الإدراك أمام الأشياء ، لأن الحياة تدفعه إلى البحث كما يدفعه حب الاستطلاع . ومعرفة الإنسان محدودة كما هو محدود بصـره ، إلا أنه مــازال لم يبلغ إلى حدود هذه المعرفة ، كما أنه مازال لم يعرف سر قوة بصره ليزيد فيه .

  من القوة الكامنة في الإنسان قوة حبه للحياة ، فإن كان في خطر يستحضر حواسـه كامــلــة وعوالمها ، وفي حالة استنجاد كثيرا ما نجد كأن قوة أخرى أضيفت للإنسان المســتــنــجــد ، ويتمكن من رفع أثقال لم يكن بقادر على رفعها من قبل . وتلك قوى حواسه كاملة تمكـن مــن تركيزها ضد الخطر المهدد له ، ولذا نجد طرقا عند كثير من الشعوب تستعمل فيــها وسائــل خطيرة ليستحضر فيها قوى الحواس ، وبتلك التداريب يمكن إدراك هذه القوة واستعـمـالــها ، ومن أمثال هذه التداريب ، السباحة إلى درجة الإعياء ، فحين يكون المـتــدرب علــى وشــك الغرق وانهيار قواه نجد أنه بعد استحضار قوى حواسه ، يتمكن من الـمــزيد فــي الســباحــة أضعاف أضعاف قدرته في حالة ركود الحواس .                                                                                                                هناك قوى كثيرة في الإنسان يحركها العقل دون إدراك مصدرها كمخاطبة النفس ، فالإنسان حين يخاطب نفسه كأنه يتحدث مع إنسان آخر فيه ، وكأنهما في حالة جدال أو حالــة اتــفــاق تام ، والسر في ذلك أن العقل كأنه لديه مرآة . حين يسأل الإنسان نفسه عن العقل يوجه العقـل تلك المرآة تجاه السائل فيرى الإنسان نفسه في العقل دون أن يدرك كنهه ، وكل كلام يــقــوله الإنسان إلا ويرجعه العقل إليه ، ويجد الإنسان نفسه مخاطبا لنفسه ، كما يقول الحال عــنــدما يتحرك الإنسان أمام مرآة تعكس له نفسه وحركاته ، وحين يرى الإنسان نفسه في المرآة فإنـه لا يرى المرآة بل يعيش عالما صوريا وحركيا ليس واقعيا أصلا ـ بل صورة لواقــع وعــالــم أصلي في وجده . وبهذا فإن الإنسان لن يستطيع أن يعرف العقل أبدا ، بل يمكنه أن يتـعــرف على قوى العقل التي يحركها العقل فقط . 

  إن معرفة الإنسان قابلة للتغيير والجدل والنقاش ، أما العلم فإن من شروطه قبوله كعلــم ولا مجال للنقاش فيه . وكل معرفة قيلت أو كتبت ليس هدفها الإقناع ، بل هدفها الأصلـي الــدفــع إلى البحث عن العلم ، وكل معرفة لابد أن يقبلها الإنسان لأنها تدعوه إلى البحث عن الـعلــم ، وكل اختلاف في المعرفة يدعو إلى البحث عن الصواب والحقيقة ، أما الــعلـم فــلا يــمــكــن الاختلاف فيه ، وكم من قول قيل عن الإنسان وعن العقل واختلاف ما قيل دال على أن ذلــك الاختلاف هو مجرد معرفة ، وفي هذا الحال يبقى كل إنسان مستـطــلــع وباحــث حــرا فــي استمساكه بما يعرف ، ومن كان حرا في معرفته فإن واجبه هو أن لا ينزع للآخرين حــريــة اعتقادهم مهما أن كل معرفة تبقى تجربة أو مجرد اكتشاف وليس علما ثابتا ، ومن الحكمة أن يحتفظ الإنسان بأفكاره لأنه يموت بها ، ولكن وجب قبل الاحتفاظ بها أن يدركها بأنها علــم لا مجرد معرفة ، وأنها بعد الموت قد حلت مشكل حياته وسرها .

مشاهده: 451 | أضاف: بدرالشريف2550 | الترتيب: 0.0/0
مجموع التعليقات: 0
الاسم *:
Email *:
كود *: