الرئيسية » 2014 » مايو » 12 » الانسان والعقل..........5
5:50 PM الانسان والعقل..........5 |
إن تطور تفكير الإنسان كيفما تطور فإنه إنما يعرف ما يحيط به أو محتواه بمضمونــه ولــن يعرف أبدا كنه الأشياء أو أسبابها الفعالة ، إن العقل مركزه في العلـم ، وكــنــه الأشــياء هــو خارج عن قوى العقل . ومصدر العقل أبعد من مصدر الإنسان أو الطبيــعــة ، أمــا الــكــون فمحصور في اللانهاية . ولن يستطيع الإنسان أن يملأه بنفسه أو بما لديه من عـلــم لأن قــوى الإنسان استمدادها من الطبيعة الملائمة له فقط . وقد يعرف الإنسان خلاصة علمه ومسـتــواه في خلاصة موارد الطبيعة . وكيفما تطور العلم فلن يتغلب عليه الإنسان لاختلافه . وكثير من القوى الموجودة في الطبيعة يضاد بعضها بعضا . وإن عرف الإنسان علما غيبيا فإنما يكـون مجرد معرفة وحقيقتها بعيدة عن الإنسان مادام الإنسان مقيداً بالمعرفة المقيدة في الطبيـعـــة . فالإنسان مسجون في قوى العقل ، والعقل يسجن بالمعرفة ، والمعرفة تسجن في العلم ، كـــما أن العلم يسجن في الحقيقة الدالة على أسباب الأشياء ، والأشياء تبقى أشياء في تجمع ماديتها، والطبيعة تبقى طبيعة بتجمع محتواها واستنساخه للــشــكــل الــمــفهـوم أو القوة المحسـوســة بإدراك العقل .أما عند اندثار الأشياء فإن كل الأشكال تصبح هباء ويبقى الهباء هو نفسه قوة وشيئا غـيــر مجسم في الكون .أما عند تحطم قوى الأشياء فإنه لا تبقى الأشياء لعدم وجود قواها التي تشكلـها ، ويــســمى ذلك اضمحلالا أو محوا للوجود . والمراد من القول هو أن يعرف أن الأشياء تأخذ شــكــلــها بقوة تجمعها إلى بعضها وتحتفظ بها . وقد أدرك الإنسان هذا منذ القديم ، ويقصد من الإنـسان هنا كل إنسان كانت له طريقة بحث في القوى العلوية أو السفــليـة فــي الكــون أو فــي قــوى الإنسان نفسه ، فإدراكه كان أساسه أن قوة الأشياء في وجودها . والأصل في هذه المـعــرفــة هو أن الوجود وجد وفيه قوتان ، فالأولى هي قوة الأشياء ، والثانية منـها تــتــكــون الأشــياء فيظهر للإنسان الباحث كأن الطبيعة قادرة أن تخلق نفسها ، فبالقوة الأولى تصنع الثانـية كــما تجمع الريح الرمال ويجعل منها كتلة . ولكن حقيقة فعالية القوتــيــن أو أسـاس حــركــتــهــما وتناسقهما هو الذي يجعل هذه المعرفة في قالب محصور لا يعني شيئا إلا معرفة مجردة مــن حقيقة كنه الأشياء . فلذا كانت العلوم الدينية هي أول ما تُنفى به هذه المعرفة ، لوجــود قــوى أخرى يمكنها التشكل في شيء دون أن يكون شيئا ماديا ، بل سره قوة متجـمــعــة فــي عالــم القوى كما يتخذ الجسم شكله في عالم الأجسام . ومثل هذا معروف عند الهنـود إذ يــتــمــكــن الإنسان الباحث عن قوى الإنسان أن يتخذ جسما ثانيا أساسه قوة ، والجسم الأول هو جسـمه . وقد يمكن الإنسان أن يترك في مكان ما جسما ثانيا له سواء بإدراك أو غيـر إدراك . ويــقــال لذلك جسما لأنه مجسم بالقوة في عالم القوى الطبيعية . كما يمكن للإنسان المميز بمعرفــة أن يرى ذلك الجسم بما في عينيه من قوتهما الباطنية . أما إن كان للجسم الثاني قوة مــرتــفــعــة فيمكنه الظهور ظاهرا ، ولذا يوجد بعض الناس يرون أشياء كـثــيــرة يســمــونها أشــباحا أو ينسبونها إلى الجن . ولم يكن الحديث عن الجن مضمون هذا الكلام ، لأنه يــخــص الإنــسان والعقل وحدهما وما يتفرع من القوى العقلية أو القوى الفعالة عند الجسم .وقد يتمكن الإنسان من معرفة أسباب جريمة ما بالرؤيا الباطنية للعين لوجود قـوى الجــســم ساكنة في مكان الجريمة ، لأن أثناء الجريمة يكون العقل في حالة ضغط قوي ، يفرز بها تلك القوة الساكنة فيه ولاسيما في حالة موت .وقد يمكن كذلك رؤيا منزل قد تهدم وتحديد مكانه وحتى محتواه من الأثاث ، وقد اهتم كــثير من علماء العصر الحديث بهذه البحوث وصنع آلات إلكترونية شعاعية لنفس الغرض . ولكن هذه الآثار المشكلة في عالم القوى قد ترحل إذا ما وجدت قوة أخرى تحطــمها ، وفــي تــلــك الحال لا يمكن جعلها ثانية لدخولها في عالم الاضمحلال ، وعالم الاضمحلال كعالم العــقل لا يمكن لوجود أن يوجد فيه إذ أنه مقيد بقوى أو بأشكال . وإن كان من باحث في الحقـيــقــة ذي علم ومعرفة وحكمة ، أن يبحث في العوالم كلها ، مقارنا للأشياء مع حـواســه أمــام مــا فــي الطبيعة ومقارنا لما في الطبيعة ونفسه أمام ما في الكون مما يعرفه ، ثم مقارنة كل شيء أمام قوة الاضمحلال التي منهج معرفتها كمنهج المعرفة عن العقل ، ولأن للإنسان قوة في الجسـم تضمحل أمام العقل ، فلا يمكن أن يدرك بها العقل ، والعقل هو المسير لحركة الجسم وقـواه ، فتوجد كذلك للطبيعة قوة محركة لها مجهولة عن قوى الطبيعة نفسها والإنسان . فالطبيعة لــم تأخذ صيغتها الكونية الشكلية من شكل هو وراء الاضمحلال ، كما لم تأخذ قـوتــها مــن قــوة وراء القوة المبقية لقوة الاضمحلال . والإنسان هو كذلك شكله ليس من شكل الطبيـعــة ، بــل هو شيء بين الأشياء وشكل بين كل الأشكال . ولا يمكنه الخروج عنها أو أن يتــمــكــن مــن البقاء دونها ، كما لا يمكنه أن يكون جزء من القوة المبقية لقوة الاضمحلال ، لأنه يضمــحـل كما تضمحل الأشياء . والأشياء كلها تبقى أشياء مادامت فيها القوة المبقية لها وتندثــر مــتــى رحلت عنها تلك القوة . فالحياة هي المبقية للجسم ، فمتى رحلت الحياة مات الجسم ويـصـبــح ترابا . وللطبيعة بنفسها حياة لوجود الحركة المتنافسة فيها كجسم الإنسان ، ومـتــى رحــلــت عنها قوتها المحركة لها سارت هباء .تبقى معرفة الإنسان معرفة مادامت معرفة أخرى لم تدخل عليها لتنفيها أو تضادها . وابتـعــد الإنسان الحديث عن كثير من معرفة الإنسان القديم ، إما لوجود معرفة أخرى نفت الأولـى أو لوجود ميدان جدلي حول كثير من الأشياء ، وكلما تقلد الإنسان سيف معرفة ما إلا ويطــغــى بها متناسيا كل معرفة أخرى فارضا على كل معرفة معرفته . والإنسان العاقل لابد أن يعرف أن لكل الأشياء إما ضدها أو المناسب لها المتوافق معها ، وكما يوجد الطيب يوجد الخبيــث ، وكما يوجد الليل يوجد النهار ، وكل معرفة فيها فوائد ومضار . وليتمكن الإنسان من متابعــة طريق بحثه عن نفسه لابد أن يتخذ بعين الاعتبار كل علم يعثر عليه . ولا يمكن أن ننفي كــل قوة تسمى سحرا ، وكلما عثر على قوة إلا وهي دليل وجود قوة أخرى موافقة لها أم ضـدها ، كما أن الرجل هو دليل وجود المرأة والليل دليل وجود النهار ودون هذا فإن المعرفة تضمحل في الجهل ، وفكر الإنسان يضمحل أمام عقله كما تضمحل المعرفة أمام العلم إن لـم تــعــرف الحقيقة .إن العقل قادر على تحريك الجسم لأن الجسم شيء ، وقد يقدر الإنسان على تــحريــك قــوى الطبيعة لأنها أشياء في عالميها ، ولكن العقل لن يقدر أن يحرك غير هاتين القـوتــيــن ، قــوة الأشياء في الطبيعة أو قوة الأشياء في عالم قوى الطبيعة .كما أن العقل يحرك الجسم لأنه شيء في عالم الأشياء ، ويحــرك كــذلــك قــوى الــجــســم كالحواس لأنها شيء في عالم القوى ، وما دون هذا كالحياة فإن العــقــل لــن يحركــها أبــــدا لخروجها عن مزاجه ، ودخولها في القوة التي تحركها الروح .ولن نتحدث هنا عن الروح لأنها خارجة عن إدراك العقل وموضوعها موضوع آخر ، وقـد تمكن الإنسان المتميز بإدراك قوى الجسم من الحياة قرونا معدودة متحديا الموت ، ويــســمى ذلك بقوة التنازلات إلى الموت ، ولم يكن ذلك إلا معرفة للقوة الشاملة للحواس وهــي الــقــوة التي تعطي للجسم شكلا وتبقيه شيئا بين الأشياء . ويكون ذلك حتى بعد مـوت الجــســم ، لأن الجسم أخذ الشكل المجرد من الحياة وبقي كشيء بقوة الأشياء ، وهذا معناه أن الإنسان بتـلــك المعرفة لم يعش قرونا بجسمه وعقله بل عاشها جسمه فقط فأصبح في تلك الحال كأنه مومياء حية ، والفراعنة لم يتوصلوا إلى ما توصل إليه الهنود في هذا الشأن ، لأنهم اعتمـدوا عــلــى التحنيط ولم تكن لديهم معرفة بالقوة الممسكة للجسم والمبقية له ، ولكن سعوا إلــيــها ، وهــذه القوة لا تبقي الجسم في تلــك الصفة بصفة نهائية وذلك لوجود قوات أخــرى تــرغــمــه على الاضمحلال . وهذا السعي كله إنما هو سعي للخلود ، ولا يمكن الخلود للإنـسان فــي الأرض مادام الكون كله غير مستقر في عالم الأشياء التي لا تضمحل .والعلم الحديث مازال لم يستطع أن يعرف ما استعمله الفراعنة لتحنيط موتاهـم ، وذلــك لأن هؤلاء العلماء تركوا جانبا من القوة المسماة بالسحر ، لأنه لو بحثوا في القوة المسـتــعــمــلــة لوجودها قوة تتيح للجسم بقاء نسبيا ، ولم تكن الأعشاب وحدها أساس ذلك عند الفراعنـة بــل كانت هناك أيضا سيطرة العقل على القوة المبقية للجسم وتركيزها مع إثباتـها فــي الــجــســم المراد تحنيطه .والأعشاب أو العقاقير المستعملة في التحنيط كان لها هي أيضا نسبة قوى أخرى ظنـوا بــها ربما يسترجع الإنسان حواسه وإدراكه في يوم ما . كما ظنوا أن استرجاع قوى الجسم بـتلــك الوسيلة قد يرجع للجسم العقل والإدراك والتمكن من العيش في عالم الخلـود . وقــد نــرى أن الإنسان بعقله تمكن من تركيز كثير من القوى التي يحركها العقل في شتى أغــراضه ، إلا أن هناك ما يحطم أهداف الإنسان ولاسيما أن الكون في لا نهايته لا يمكن أن يــتــغــلــب علــيــه الإنسان كله ، كما أنه لا يمكنه أن يجعل للكواكب قانون حركة أخرى غير ما توجـد عــلــيــه وتسخيرها كما سخرت له المعادن في حاجياته . والإنسان في بحثه لا يرضَى أن يقال لــه إن هناك حدودا في المعرفة أو إن هناك مستحيلا أو شيئا لا يمكنه إدراكه . يــدرك الإنــسان مــايريد بعقله والعقل له إدراك يدرك به ما يريد الإنسان إدراكه . ولذا فللعقل قوانين مرتبة فــي قوته خاصة بأشياء مختلفة ، منها ما يسجل في الدماغ الصوت ومنها وما يسجل الصور إلــى غير ذلك من وظائف كل الحواس . وإذا ابتعد العقل كثيرا عن الدماغ ، فـقد يــفــقــد الإنــسان ذاكرته أو يفقد قوة الحواس ، وفقدان الذاكرة قد يكون بأسباب ضغط في الدماغ أو بصدمة في الرأس تتلف دور وظيفة الصور المسجلة في الدماغ ، فيكون على إثرها فــقــدان الــذاكــرة . والذاكرة منحصر فهمها فيما يسجله العقل في الدماغ ويذكره الإنسان ، وأساســها فــي وســط الرأس . والذاكرة المسجل فيها الأفكار لا تعمل دون وظيفة الصور المسجـلــة فــي جــبــهــة الإنسان ، فكل إلا ولها صورة ما إما مبهمة في مزاج صوري أو مفهومة مدركة في معناها . وقد يقع خليط في الصور أو خليط في الأفكار فينتج من ذلك الحمق في أنواع كثــيــرة ، كــل نوع يبين العطب الحاصل في الدماغ ، ويُشفى الإنسان متى رجعت حركة الخليط الدماغــيــة إلى نشاطها وعملها الترتيبي . إلا أن هناك ما يسمى بالجنون وهو خليط فـي قــوى الحــواس كلها ووظائف الدماغ ، والمصاب بذلك يظهر حالات عصبية قوية مع غيبوبة أم قــصيـرة أو طويلة في مداها . أما الذين ينطقون بلغة غير معروفة لديهم ، في تلك الحال فإن الــعــقـل في تجواله يلتقط كل قوة صوتية أو لغوية أو فكرية يترجمها إلى الحواس بشكل مفهوم أو منطوق به ، إلا أن هناك حالات أخطر من هذا حين يتم التحام قوة الجسم بقوة جسم آخر هو في عالـم الأجسام الصورية ، ولا يتم الشفاء إلا بطريقة محكمة يعرف صاحبها بكيفــيــة فــصــل هــذه الأجسام عن بعضها البعض . وهذا مشكل قوى الأجسام فقط لا مشكل العقل ، فالعقل يــجـعل مشكلا واحدا هو أنه قد يجلب للإنسان أخطارا كثيرة كما يستنفع به الإنسان في كل حركاتـه . وهناك قوة الحياة في الإنسان هي أيضا لها دورها الكبير في حركة جسم الإنـسان كــلــه ، إلا أنها لا تحرك العقل بل تحرك الدماغ . فالأجسام سرها في الحــياة وما دون الأجــسام فــســر حركتها أساسه الروح المحركة للحياة . وهنا أيضا يبقى الكلام عن الحياة وسرها بعيدا لأنــها قوة تحركها قوى الروح البعيدة عن إدراك العقل وشعور الإنسان . |
|
مجموع التعليقات: 0 | |