الرئيسية » 2014 » يونيو » 3 » الانسان والعقل............12
5:10 PM
الانسان والعقل............12

 كأن جسم الإنسان مملكة والعقل فيها ملك يجعل حراسة تامة على مملكته ، فالحواس تخـدمه بسرعة البرق وتنقل إليه أخبار ما يجري في الجسم وتنقل إليه الصور المــرئــيــة بالــعــيــن والأخبار المسموعة ، وإرادة العقل هي الدماغ نجد فيه كل شيء مرتبا وكل الأفكار لها ملفـها يستخرج عند الحاجة . وهناك قانون ومسطرة لا يمكن لفكرة أجنبية أن تدخل إلا إذا قــبــلـتها الأفكار الأخرى وفحصها أنها خالية من كل أذى . والعقل يأمر وينهى ويكلف خلية من خـلايا الدماغ بمهمة ما ، كالتفكير في موضوع مهم أو حل مشكل ، ويهتم العقـل بــنــظام الــجــســم وحركته كنبض القلب وجريان الدم . ثم الحواس تعبر عن الجوع أو الحاجة للنوم أو الراحة . والإنسان يلبي أوامر نفسه ويسعى لحاجياته . فإذا بلغ الإنسان أن يكون ملكا على نـفسه فــقــد بلغ إلى عرش ، الجلوس فيه صعب . والإنسان وجب عليه أن يهتم بمملكة نــفسه ويــجــعــل حاكما على أفكاره يكون أمينا لا يخونه وحاكما آخر يتحكم في شهواته وآخر أمينا على نــفـقة طاقة الجسم لا يسرق ولا يبدر، فلتكن حراسة الإنسان مشددة على نفــســه ، وإذا أفــرط فــي شيء فقد أفرط في نفسه . والحاكم الأساسي للإنسان هو نفسه ، وبالوعــي والإدراك يــمــتاز الإنسان بالعقل .

  إن الإنسان لا يفهم بالعصى والضرب ولا بالضغط والتعذيب ، ونجـد أن الــدين لــم يــأمــر بالتعذيب ، حتى تعذيب الذين لم يتبعوا أصوله ، والأنبياء قالوا قولا لينا للذين طغوا ، وعلموا بطرق محكمة كل من كان تابعا لهم ، وأمروا بالصدقة سرا وألحوا عليها ، وذكرت الصــدقة سرا هنا لكونها وسيلة لتربية المجتمع تربية حسنة ، فمثلا إذا وجد أحد شيئا أمام بابــه عــنــد خروجه من داره وكان ذلك مالا أو متاعا ، فإن الإنسان يفكر تفكيرا عميقا من الذي أعــطــاه هذا ، ويفكر أن قد يكون فلانا أو ربما فلانا ، فلا يجد ، فتصبح له سيرة بين الناس سليـمة ولا يؤذي أحدا ، لأنه يخاف أن يؤذي الذي أعطاه ما أعطى وأنقذه من مشاكل شتى ، فما أجمل طرق التربية العظمى .   

  إن المجتمع لا يمكنه أن يكون مجتمعا إلا إذا اجتمع على أسس محكمة كالنحل ، وإن لم يكن هذا فالجمع البشر يسمى أمما وشعوبا متفرقة وعائلات مشتتة ، ويبقى الإنسان مشردا منـفردا لا يعرف أهله ولا أعداءه أو أصدقاءه ، ثم لا يثق في أحد ولا في عقيدة ولا في دين ، لأن كل هذا لم يجتمع شمله . فلإنسان إذا تكمن فيه حاسة لوجود الحقيقة ولكنه يجهلها ويجهل أســسها ومكانها أو مصدرها ، فذكر في الدين أن الإنسان خلق في أحسن تقويم إلا أنه هو يغير نفــسه ويصاب به ،  

  وإذا أصيب الإنسان بمصيبة يتبدل تفكيره تجاه كل ما يحيط به بسرعة ويندم ويبــحــث عن الخلاص . ولذا نجد أحاديث نبوية مضمونها أن الحمى يجب على الإنـسان أن يــقــبلــــها ولا يداويها إلا إذا طال أمدها أو أوشكت أن تؤدي بالمريض إلى الهلاك ، وسر ذلـك أن الإنــسان المصاب يغير تفكيره تجاه الأشياء بسرعة ، لأنه يظن أن الموت قد جاءه ، ونجد هــذا أيــضا أسلوبا عظيما وطريقة أساسية للتربية ، لأنها وسيلة معرفة بحكم الضرور

  وما ذكرت هنا أساليب الدين إلا إظهارا لطرق محكمة لتنمية المجتمع وسلامته . وإذا تــبــع الإنسان البحث عن هذه الطرق فإنه يجدها في الدين ، وأن الكتب المنزلة سابقة للــمعــرفــة ، وكل القوانين الأخرى التي جعلت إنما أساسها كان دينا لوجود حكمة فيها ، والإنسان نســبــها إليه وسميت الإنسانية إنسانية لوجود هذه القوانين المنسـوبة إلــى الإنــسان . فــإذا اعــتــرف الإنسان بهذه القوانين المحكمة على أنها أساس ديني فإنه يجد نفسه مضطرا للاعتقاد الــكامـل في ما ذكر فيها ، وذلك حكم الضرورة أيضا .  

  والضرورة تجعل الإنسان في موقف يضطر فيه أن ينطوي أمام أشياء كثيرة ، فالحاجة إلى المال قد ترغم الإنسان أن يقبل الفساد ولو في بيته ، ولا يهتم بشخصيته ، وهذا يبدل مراحــل العصور كلها ، ففي القديم نجد أشياء كانت لا تقبل عند القدماء لاعتقادهم على شرف النفس ، بينما هذه الأشياء اليوم نجدها مقبولة لدى المجتمع ، فالحاجة إلى المادة والسعي وراء الـمــال يجعل الإنسان ينسى ويتخلى عن مبادىء حسن الخلق ، وكان الفقر شيئا اخـتاره الــباحــثــون حتى لا ينشغلوا عن هدفهم للبلوغ إلى المعرفة . والفقر دواء للنفس ، ونجد الفـقراء هــم أشــد حساسية لما يخوض فيه الناس حولهم ، ويكونون أقرب فهما وأسهل تغييرا لمبادىء أفكارهم. لهذا كان معظم من يتبع الأنبياء هم فقراء ، ودور الأغنياء لا يأتي مسبقا إلا نادرا .

  ولا يمكن للإنسان تغيير مبادىء لزوم المعرفة أن هناك أشياء كثـيرة تــرغم الإنــسان أن لا يسعى على فهم معرفة مطروحة لوجود التمييز بين الناس في مراتبهم ، لاســيــما إن جــاءت المعرفة من أحد لم تكن له مكانة من قبل في المجتمع ، فترجع المعرفة لصاحبها ، ولو كانـت ذات أصل ثابت ، ولا ينصت غليه ولو كان معه حق ، وهذا خصوصا هو شأن الأنبياء عــنـد تأدية رسالاتهم .

  لا يمكن الكلام عن الإنسان والعقل دون أن نذكر جل المبادىء والـتــجارب ودون الــعــلوم الدينية . وأسس المعرفة هي البحث عن المعرفة بكل معرفة ، والمهم هو أن يؤخــذ مــن كــل معرفة أصالتها ونموذجها الحقيقي مع ذكر أخطائها إن كانت .

مشاهده: 420 | أضاف: بدرالشريف2550 | الترتيب: 0.0/0
مجموع التعليقات: 0
الاسم *:
Email *:
كود *: