بدرالشريف2550 | التاريخ: الخميس, 2013-03-07, 4:20 PM | رسالة # 1 |
عضو بلاتيني
مجموعة: المدراء
رسائل: 739
| مشاركة المناجاة والتوحد الروحي
إن الحالةَ النفسيةَ والعقليةَ وقت الصلاة ، هي التي تجعلُ الإنسان ، ينتقل إلى نوعٍ من الاندماج في قدرة الله وحِكمَته ، فتغمرُ الحكمةُ والقوةُ روحه ، ليَجدَ فيها العَونَ على هدوءِ العقل ، لأن العقل المحدود ـ عقل الإنسان ـ إذا اتجهَ إلى العقلِ الكلي غيرِ المحدود ، استمدَ منهُ الحكمةَ من غير قَول ، ولكي تؤتي الصلاةَ ثمارها ، يجب ألا تكون صادرةً عن الشفتين كأنما هي ثرثرةَ ببغاء ، فهذه لا تؤدي إلى فَتحِ مصاريع العقل ، لتَقَبلِ الحكمةِ الإلهية ، يجب أن تكونَ الصلاة حديثُ قلبٍ لقلب بينَ العبدِ وربه ، لا لأن الله بحاجةٍ إلى حديث يحملُ إليه حاجاتنا ، فإنه يعلم من أمرِنا ما لا نَعلم ، ولكن لأنّ حديثُ القلبِ يفتح شغافه ، فإذا تَفتّحت ، انصب فيها ما يملؤها عزاءً وحِكمةً من فيضِ من تَفتّح القلبُ للحديثِ معه .
يجب أن تُرفعَ الحواجزَ التي أقمناها بيننا وبين الله ، حين أبعدنا أنفسنا عنه ، إذ تَصوّرنا أنه بعيدٌ عنا ، مع أنه مِنا القريب
ناجِي الله كما تُناجي أباكَ وأمّك ، أو زوجكَ وحبيبكَ ونجيّك ، إنه كلُّ هؤلاءِ وأكثر ، وما أحسستَ أنَّه يُقرِّبكَ منهُ عَليكَ أن تفعله
آمِن بقربِ الله منكَ تجدهُ قريباً ، وابثثهُ نجواكَ ، كما تَبُثها لأقربِ القلوبِ من قلبك ، تجدهُ سميعاً ، إنّ الله لا يتربعُ على عرشٍ كملكٍ يطلبُ منكَ أن تَسجُد أمامهُ ذِلةً وخضوعاً ، وتُلقي سؤالكَ عِندَ قَدمَيه …
اللهُ يأمرك أن تَقتَرب منه وأن تجلسَ إليه ، وأن تَضَعَ نفسكَ في كَنَفِ رحمتهِ وعطفه ، وأن يَبُثَّ قلبكَ نجواكَ وشَكواك ، وأن تَذكُر قِصةَ همِّكَ وبَلواك ، ولا تظنُ أن الله بحاجةٍ إلى رأيكَ في تَفريجِ كربِك ، أو مَشورتِك في قضاءِ حاجتك ، إنما ألق عليهِ هَمّك وَدَع الأمر له ، مؤمناً بأنه سَنَدك ، وأنه راعيكَ وهاديكَ ومُرشِدك ، يُسَدّد خطاكَ لخيرك ، ويُلقي السدادَ إلى عقلِك ، فلا تخطئ ، وهو يُقويكَ ويعينكَ على ما فيهِ صلاحُ أمرك
إن لم تجد من كَربِكَ مخرجاً ولا لمشكلتِك حَلاً ، وإن لم تجد الطريق أمامك واضحاً ، فاتّجه إلى الله بجوارِحك ، فإنه يفتح عينيكَ على الطريق ، فَتسلُكه وأنتَ آمن
ليست هذه أقوالَ وعاظٍ وكُهانٍ اعتدتَ سماعها تُلقى مِنَ المنابرِ ، إنها الحقيقةُ العُظمى ، التي يحيا في ضوئها آلافَ السالكين ، إنك إن تَسلُك هذا السبيل ، تَزدادُ مع الإصرار في السلوكِ شجاعتك ، وتَقوى ثِقتِك في هذا الطريق ، وترى الأفقٍ الواسعٍ تَفتَّحَ لبَصَركَ وبَصيرتك
إنّ لُبّ الفكرِ في بحث صِلةِ الإنسان بالله ، هو أن الله هو المصدر الأكبر للحياة ، هو مركزُ الدائرة ونحن ذراتٍ في الأشعة التي تنبعث من ذلكَ المركز ، نحن لسنا منفصلين عنه ، ولكننا لسنا ذلك المركز نفسه ، إننا مرتبطون به ارتباطَ الأشعةَ بالشمس
إن القوة والحكمة هي ما يفيضُ منه مع الأشعة المنبثقةِ عنه ، ولسنا بحاجةٍ لأكثرَ مِنها إن نحن رَضينا أن نَتِّخذها عِدةً وعَوناً لنا ، وَرَضينا أن نمُكِنها من أنفُسنا لتكونَ أنفسَنا أداةً لها
المركز روحٌ نقيٌ هو الله ، وإذا ما تَفتَّحت روحنا ، اقتربنا من ذلكَ المركز ، وكلّما ازداد الناس نمواً في الروح ، ازدادوا قرباً ونوراً ، وكلّما بَعدوا عن المركز ، ازدادوا ماديةً وظلاماً ، إن وراء كوكبنا هذا عوالم أكثر بُعداً من المركز ، فيها ذراتٍ أكثر مادية مما نَتَخيّل هنا على الأرض ، كما أن بيننا وبين المركز عوالم بها كائناتٍ تَسمو على إدراك البشرِ بمراحل ، ذلك بما اقتربوا به من الله ، إن فوقنا كائناتٍ نورانية ، الفرق بينها وبيننا ، كالفرق بيننا وبين الأسماك البدائية ، ومع ذلك فهذه الأسماك البدائية وما دونها من مخلوقات ، داخلةً في دائرةِ الحبِ الإلهي ، مُتَمثلةً بتلك الأشعةِ المنبثقةِ من الله ، فَلِمَ تخافَ إذن ، ولماذا تفقدُ الإيمان والشجاعة ، إننا لا نفنى حينَ نموت ، ولا يمكن أن نمُحى منَ الوجود ، إننا جزءٌ من الكلِّ العظيم ، إننا في حركةٍ دائمةٍ متجهةٍ نحو الكمال ، نحو مركز الحياة وقُطب الوجود .
لا تحسبن حُبَ الله يستوجبُ طريقةً خاصةً من الحياةِ يَرضى عنها الله ، فما على الإنسان إلا أن يعيش كغيرهِ من الناس ، يعمل ويَسعَد في الحياة بكلِّ طيباتها ، لا يتشبث بشيءٍ بَعُدَ عنه ، ولا يَزهَد في شيءٍ أتيحَ له ، ولا تَظنُ أن الله يرضى عن العابِسِ المقطِب لجبينهِ أكثرَ من رِضاهُ عن المرِحِ الطَروب ، فالذي يحسُ بحبِ الله يَسري في كيانه ، خليقٌ بأن يكونَ سَعيداً مَرِحاً ، يُشرقُ حولهُ نورٌ يمشي بين يَديهِ أينما سار ، فَلِنتمتّع بالشمسِ والهواءِ والمطر ، ولنَضرِب في السّهلِ والجبل ، ولتكُنِ الطبيعةَ بجمالها من مشرقِ الشمسِ ومغربها ، مَجلَبةً لسُرورنا ، إنّ اقترابنا مِن الله ، يزيدُ إحساسنا بما هو حولِنا من جمال ، ويجعلُ كلّ شيءٍ مصدرَ سعادةٍ لنا ، وليكن شِعارنا في الحياةِ الرِّضا والمرَح …
تَذكروا أن الله لن يحجبَ حُبةً عن أخٍ مهما انزلقَ في مَهاوي الشّر ، ولا عن أختٍ مهما أظلمت الهاويةَ التي تَردّت فيها ، ولا يحجب الله رحمتهُ وبرهُ عن أشدِّ الناس إمعاناً في العِصيان …
إذا أحسستَ الرّغبة ، فلا تُمانِع ولا تُعارِض ، ولكن إفتح للشمس مغاليقَ نَفسِك ، وتَقَبل أشعَتها وسيكونُ كلُّ شيءٍ خَيراً ، لا تَخَف وتَجمّل بالحب الذي يُقصي عنكَ الخوف ، ضَع قلبَك في يَد الله …
الفضيلة ، الواجب ، القانون ، الاستقامة
الأخلاقيات أو الأخلاق تُعرف بأنها علم السلوك ، وهي تُعالج مشكلة جعل العلاقات بين الفرد والمجتمع مُنسَجمة ، وفي الغرب ثلاثُ نظرياتٍ هي :
· نظرية الديانات الُمنزّلة ، والسُلطان فيها لله
· نظرية الإلهام ، والسُلطان فيها للضَمير
· نظرية المنفَعَة ، والسُلطان فيها للعَقل
والُمتّبَع في الغربِ أن صاحبَ كل نظريةٍ من هذه النظرياتِ الثلاث ، يؤمن بأن مَذهَبهُ هو وحدهُ الحق ، وما عداهُ هراء ، أما طريق الخلاص ، فإنها ترى الحق في كل من هذه النظريات والمذاهب على السواء ، ولكلٍ منها مكانةً فيما تُسَميه العمل الصالح
نظرية الإلهام : يرى أصحاب هذا المذهب ، أن الإنسان يَعرفَ الخيرَ والشَّر بالإلهام ، وأن الله جعل في كل إنسانٍ قُدرةً غريزيةً تميِّزُ الخيرَ من الشّر ، ومركزُ هذه المعرفةِ هو الضمير ، وأنه بدافعٍ من ضَميره يَتَحكّمُ في نفسه ، فكلّ إنسانٍ يجبُ أن يُحَكِّمَ ضَميرهِ في تَصرفاته ، جَليلُها وتافهها ، مُتجاهلةً حقيقةً مُسَلمٍ بها ، وهي أنه لا يمكن أن ينَطبقَ ضَميرانِ لشخصينِ مختلفينِ على بَعضِهِما تمامَ الانطِباق ، والأخذُ بهذا المذهبَ مِن شأنه أن يجعلَ عددُ مبادئِ الأخلاق ، بِعددِ أفرادِ المجُتَمع
نظرية المنفعة ، فهي تقول بأن الفَضيلة هي ما تُمليهِ المصلَحَة ، سعادةُ الأغلبيةِ يجبُ أن تكون أساس جميعِ الدّساتيرِ الاجتماعيةِ والسياسية ، وهذه هي النظريةُ التي تُبنى عليها القوانينُ الوَضعية ، والقوانينُ الوضعيةِ وضعت على أساسِ قانونِ الطّبيعة ، الذي يَرتكِزُ على القوانينِ الإلهيةِ الأزلية ، التي لا تَتبَدل ولا تَتَغير ، وليس لأيّ قانونٍ بَشَريٍ وَضعي قيمةً ولا اعتباراً ، إذا ما تَعارضَ مع قانونِ الطبيعة ، وقد حَدَّدَ الُمشَرِّعُ الرومانيُ القانونَ البشري في ثلاثِ نقاط : أن تعيشَ بأمانة ، أن لا تَضُر بأحَد ، أن تُعطي كُلّ ذي حقٍ حَقه …
إنّ كُلُّ نفسٍ تَبني على ماضيها أساسَ مستقبلها ، إنّ ماضيها يَمتَد من حياتها الماضية إلى حياةٍ تتلوها حياة في المستقبل ، يكون للنفس فيها جسداً بعد جسد ، كما كان لها في الماضي جسدٌ قبله جسد ، فليست الحياة مجرّد وجودِ النفس في الجسدِ أعوامَ العمر في هذه المرحلةِ من الوجود ، فللنَّفسِ ماض سَبقَ وجودها هذا ، وسبقه أمسٌ متكررٌ بلا عَدَد ، ولها غدٌ بعده غدٌ إلى ما لا نهايةَ في الأبديّة ، يرتفع بها كل غدٍ إلى مستوىً أرفعَ من سابقه ، في حلزونٍ دائرٍ مرتفعٍ لا نهايةَ له
إنّ اختلافَ المرحلة التي تجتازها كل نفسٍ عن المرحلة التي تجتازها غيرها في الارتفاع ، يتبعه اختلاف في احتياجاتِ كل نفسٍ عن احتياجاتِ غيرها
إنّ تَقَدُمَ النفس وارتقائها نتيجةَ ارتِقاءِ الفكرِ البَشري ، وسمُو المُثُل العُليا للإنسان ، هو السّر في تَطَوّر معاييرِ الأخلاقِ ومفاهيمها .
إنّ كل الشرائع قُصِدَ بها مساعدةَ الإنسان على نَزعِ الُحجُبِ عن العقل ، عن الجزءِ السفلي الأقربَ إلى الغرائز ، لمساعدةِ الإنسان على نَزعِ تِلكَ الحُجب والارتقاءِ للمراتبِ العُليا ، وإن تَطوّر النفس وارتقائها ، هو ما هدفت إليه تِلك الشرائع ، والقاعدة التي وضعت لذلك التّطور هي خُطوةً واحدةً كل مَرة
شَرّعَ الأنبياء والحكماء للناس فروضَ العبادة ، ليوجهوا نظرَ الإنسان ووجدانهِ إلى وجودِ قوةٍ فوقه ، فإنه إذا اتجه إلى هذه القوةَ بِبَصرهِ وبصيرته ، حَولت اتجاههُ إلى آفاقِ السُّمو ، فارتقى وسما بَدَلَ أن يَنصَرِفَ إلى الصغائر ويصبح دَنيئاً ،… لذلك فإن التقوى والصلاة والعبادة فائدتها للإنسان نَفسُه ، إنها تَرفعُ الإنسان إلى مستويات تَقِرُ عينهُ بما فيها ، ويَرضى عن نَفسِه بالوصول إليها ، فيتخيّل أن الله نَزِلَ إليه واستجابَ لدُعاءه ، ورَضِي عن عبادته ، وليس في ذلك إلا قَلبٌ للأوضاع ، فالإنسان بالتُّقى ، يرتفع إلى حيث يصبح قادراً على ما يَعجز عنه قبل بلوغ ما بلغ من مرتبة ، وهو بذلك صاحبَ المنفعة في تَعبُّده ، ولا ينفع بعبادته إلا نفسه .
|
|
| |